JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Home

عودة عبدالفتاح أو تحريم الغناء

هيثم ناجي  


   كنتُ في مطلع العقد الماضي مراهقًا ومندفعًا مع تيار التغيير الذي انتشر في أقطارٍ عربية منها اليمن، وتطلعتُ نحو الأفق بفسحة أمل، ولصِغَرِ عمري واندفاعي استطاعتْ الأغنية إثارة انفعالاتي وحماسي، وظننتُ الحلمَ متحققًا، والحقيقة أن الحلم لفظ أجوف فُرِغَ من مفهومه الصحيح؛ واستهلكه الانتهازيون لمنافعهم، أضف إلى ذلك استهلاك الكلمة والصوت ليصبا في غير نبعهما الأصلي. 

  صدحتْ الأصوات الغنائية وأثارت الانفعالات الحماسية وحققتْ ما خُططَ له، وفي ذروة الحماس بدأتُ مرحلة تعليمي في جامعة صنعاء، وكانتْ المرحلةُ فارقةً بالتحرر من قيود الانفعالات العاطفية وإدراك ما وراء الأكمة، ولم أكن وحدي بل كان وعيًا جماعيًا، تغيرت به بعض المواقف واتجهت معها بوصلة الذوق نحو لون جديد من الأغنيات تناسب ذلك التبديل الفكري، وبدأ صوت عبدالفتاح القباطي يثير انفعالاتنا من جديد، فكانت أغنية «الغزو من الداخل» أكثر أغانيه أثرًا، وتداولها الشباب وكأنها تعبيرٌ عن تحول وعيهم من الانتفاضة على الرئيس إلى الثورة على لصوص حلمهم، فذاع صيت عبدالفتاح بيننا. 


عبدالفتاح القباطي
الفنان عبدالفتاح القباطي 

وأحسبُ عبدالفتاح يدرك تمامًا كيف طغى الزيف على الغناء في اليمن يلازمه الاحتفاء بظاهره المرونق والعزوف عن البحث في أثره السلبي على ذائقة المتلقي.


 

شعرُ البردوني أغنية! 

  

  حضرتُ فعاليةً أُقيمت في الأمانة العامة للحزب الاشتراكيّ اليمني سنة ٢٠١٦، احتفاءً بتراث البردوني في ذكرى وفاته، وتحدث فيها الشاعر عبدالعزيز الزراعي، وذَكَّرَ بوجوب أن يكون البردوني قصيدةً وليس اسمًا، واقترح أن تُغنى قصائده بإشارته إلى جهد الفنان مارسيل خليفة الذي غنى قصائد الشاعرين العربييَّن الفلسطينيَّن محمود درويش وسميح القاسم. 

  وأظن الشاعر الزراعي لم يحط علمًا بتجربة عبدالفتاح القباطي؛ الذي غنى قصائد للبردوني بجهدٍ فردي تلحينًا وأداءً. 

  وهي تجربة وحيدة منفردة، لم يسبقه إليها سوى الفنان علي بن علي الآنسي الذي غنى أغنية «اليوم يا تاريخ قف» التي كتب كلماتها بقصد غنائها الشاعر عبدالله البردوني، وسوف يكون إجحافًا إذا قورنتْ تجربة القباطي بتجاربَ أخرى تُوفرتْ وهُيئت لها الظروف. 

  وأرى ما رآه صديق خبير، أنه يُبذل لتحويل القصيدة الشعرية إلى أغنية ما لا يُبذل لتلحين قصيدة غنائية، والإسهاب في هذا المبحث من مباحث اللحن صعب لغير المتخصص.


عبدالفتاح يغني أمامي


  دعاني الصديق الإعلامي سامح عبدالوهاب لحضور فعالية الذكرى الخامس عشرة لرحيل الشاعر عبدالله البردوني والتي نظمتها جبهة إنقاذ الثورة في ٣٠ أغسطس سنة ٢٠١٤ ببيت الثقافة، وأحياها الفنان عبدالفتاح القباطي بأغانيه، وكان يومًا استثنائيًا بالنسبة لي؛ لأني سأقف أمام فنان ما زلتُ أؤمن حتى اللحظة، أنه استثناء بشخصه أولًا وغنائه آخرًا، وأظنه عصاميًا لا يركن إلى الشهرة من باب العلاقات والانتماء المشبوه. 

وفي اليوم الذي رأيته أمامي يغني، صدح برائعته «يا مصطفى»، ولن أبالغ إذا قلتُ إن فضل شهرة هذه القصيدة بين الشباب سببه القباطي. 

وقد تشرفتُ بالحديث معه أثناء التقاط الصور، ومازحته: سنتصور بجانبك الآن قبل أن تمنعنا شهرتك من الوصول إليك، فقال: لولا تواضع البردوني لما سهرتُ الليل ألحن قصائده. 

وبعد ذلك اليوم، لم أسمع عن عبدالفتاح أي خبر، وقد شغلتنا الحرب عن ذكره، ولكن بقيتْ أغنياته تصاحبني إلى اليوم. 


عبدالفتاح الحقيقي


    يقول الشاعر عبدالله البردوني في كتابه«قضايا يمنية»: إذا اختفى الحقيقي ظهر المزيف، وقد جسد هذه القضية في قصيدته«يا مصطفى»، إذ قال: 

يا مصطفى يا كتابًا من كل قلبٍ تألف

                   ويا زمانًا سيأتي سيمحو الزمان المزيف.

  وأحسبُ عبدالفتاح يدرك تمامًا كيف طغى الزيف على الغناء في اليمن يلازمه الاحتفاء بظاهره المرونق والعزوف عن البحث في أثره السلبي على ذائقة المتلقي، وأظن أنني لستُ الوحيد الذي ينادي عبدالفتاح للعودة إلى الساحة الفنية، وإن لم يستجب فلنجتهد ونحرم الغناء. 


نشره موقع ريشة، للانتقال انقر هنا


طباعة🖨️

NameEmailMessage