JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الحكايات الخرافية والشعبية: "وادي الضجوج" على الميزان!

هيثم ناجي

   من منا لم تحكَ له الحكايات في طفولته أو تُقرأ له ويَقرأ، ومن ذا الذي لم تطبع في ذاكرته عناوين وشخصيات تلك الحكايات، أو لم تُزرع فيه قيمها.

سمعتُ في الطفولة من جدتي ووالدتي حكايةً شعبية، كان لها أثر عميق في نفسي وما زلتُ أتذكر أحداثها وشخصيتها الرئيسة حتى الآن، ورِثَتْ هذه الحكاية شفوياً، ولم أجدها مدونةً في أي كتاب حتى اليوم، أو ربما دونتْ وتغير عنوانها، فالعناوين في الحكايات الشعبية الشفوية تتغير لأنها جزء متصل من الحكاية قد تتأثر بتأثرها الكلي.

فكل ما يتناقل شفهياً من الموروثات القصصية، يصير مع مرور الزمن وسرعة الانتشار في جغرافيات وثقافات مختلفة عملاً جماعياً؛ لكثرة ما حور في بنائه وأحداثه.

وأظن أن حكاية " سيف القاتل" المسطورة في كتاب " حكايات وأساطير يمنية" ¹، هي ذاتها حكاية الخياط في الأدب الأوروبي، ولكنها حورت لتتناسب مع ثقافة القارئ هناك، وأيضاً حكاية " وريقة الحناء" المسطرة في الكتاب المذكور آنفاً، هي ذاتها " سندريلا" في الآداب الأخرى.

وادي الضجوج

المجموعة الشيقة " وادي الضجوج" ليست كغيرها مما يكتب ويقرأ. هو كتابٌ لا يقرأهُ سوى الشجعان ويستحسن قراءته في وضح النهار لمن لا يملكون الإقدام، هو ليس رعباً، ولكنه يفتح أبواب النفس، يذكرها بالخوف الذي يعيشه الإنسان ويرغمك على التخبط في فكرةٍ لا يمكن أن تتجسد، إنه كتابٌ يفضحكَ، أنت تلبس ثوب الشجاعة ولكن الحكايات تراكَ عارياً.

"عسلان ونبات" " غيثان" "نباش القبور" "المكيال السحري" "خيزران وسلطانة" وحكايات أخرى حوتها مجموعة " وادي الضجوج" التي كتبها وجدي الأهدل، والصادرة سنة ٢٠١٧، من إصدارات جائزة الدولة للشباب في صنعاء، نقلتني من الوعي المادي إلى عوالم غامضة غير محسوسة؛ لا يمكن إدراكها بالعقل، حكاياتٌ نمتْ في عقول الأجداد ومُزجتْ في مخيلتهم وكأنها حقيقةً مرئيةً وإن لم تدركها الأبصار.

خمنتُ أثناء قراءتي لحكاية " المكيال السحري" وهي الأولى في ترتيب المجموعة، إن وجدي الأهدل كتبها من حكاياتٍ سمعها عن الأولين، والتخمين ناتجٌ عن سببٍ مقنع حسب فهمي، هو سماعي لهذه الحكاية فيما مضى، ولا أتذكر بلسانِ من سمعتها.. ولكن الأحداث تدور في مخيلتي كأي حكايةٍ موروثة، لها وقعٌ على النفس.

أما بقية الحكايات في " وادي الضجوج"، فلم أسمع بها من قبل، ولكنها قيدتْ حركتي؛ فصرتُ غير قادرٍ على النهوض أو النظر خارج السطور، كنتُ مندهشاً وخائفاً؛ فأنا قروي عشتُ طفولتي متوجساً، تتراءى أمامي مخلوقات يؤمن الجميع بوجودها وخطرها، فكان لابد من الاستجابة لشعور الخوف، إن الجنية الطيية التي أعادت " عيشة" إلى عالمها، لا وجود لها في مخيلتي التي تعج بصورهم البشعة والانطباعات السيئة عنهم، فالتحليل النفسي يرى إن الأساطير التي تتكون في نفس كل منا منذ الطفولة الأولى، تظل غائرة مكبوتة، ولكنها حاضرة في اللاشعور.²


غلاف الكتاب(مصدر: الويب) 

  

  يمكن القول، إنه في الزمن الذي أمن الجميع إيماناً موغلاً بالتطرف بوجود هذه المخلوقات الغيبية وتدخلها السافر في حياتهم، كان من المعيب عدم تصديق ما حوته هذه الحكايات من تفسيرات أسطورية، والشاهد على ذلك استمرارية وتجسيد هذه التفسيرات للواقع فردياً أو جماعياً في المناطق المعزولة فـ" الأسطورة قائمة بدورها الكبير في نفسية الأفراد والجماعات مهما تقدمت العلوم والمعارف، لأن الإنسان يعاني دائماً من جوع نفسي، فيصعب عليه الاعتراف بالجهل والعجز، إنه يؤثر الملاء الذي تشيعه الأسطورة على الفراغ النفسي الذي لا يطاق ويُشعره بالعدم الذي لا يتفق مع نوازع الوجود". ³

الأسطورة والخرافة

لم يتفق الباحثون في موضوعات الخرافة والأسطورة على تعريف محدد لكلا المصطلحين، فالشاعر اليمني عبدالله البردوني ربط بينهما ويعدهما شيئاً واحداً، يقول بأن " المفهوم العلمي للأسطورة أنها التاريخ الخيالي أو الطقوس الدينية قبل الأديان، والفرق بينها وبين الخرافة أنها تحل محل الحدث لأنها مكتوبة على أبواب المعابد أو منقوشة في الأحجار أو مدونة في الكتب (...) أما الخرافة مروية جيلاً عن جيل ولأن الكتابة لم تدونها أطلق عليها هذا الاسم، للتفريق بين الخرافة المروية شفهياً، وبين الخرافة التي سطرتها الأقلام فسميت أسطورة لتسطيرها". ⁴

أما المراجع والمصادر الأخرى فلا تجد لهما ارتباطاً في الأصل أو المحتوى؛ إذ يفرقون بين الأسطورة والخرافة، فالأولى " ليست مجرد قصة أو رواية لأحداثٍ كاذبة عابثة ثرثارة، إنها حقيقة إنسانية مطلقة أكثر صدقاً من الواقع إذا جاز التعبير، لأنها إنما تستمد شرعيتها من أعماق اللاوعي الإنساني".⁵

ويتفق مع هذا الدكتور إبراهيم أبو طالب، فالأسطورة ،"تعد قصة مقدسة لا يعتقد أنها صادقة فحسب بل يعتقد أنها تعبر عن إيمان الشعب". ⁶

إذن الأسطورة تجسيد للواقع بالصدق، فهي" نوع من المعرفة البدائية التي تفسر الأصول السببية لأحداث الطبيعة ونظم البشر" ⁷ قبل ظهور الفلسفة التي صارت وسيلة المعرفة الأكثر تقدماً حينها فكان لابد لـ "الأساطير التي تمتعت يوماً بقدسية ومعنى ديني... أن تنتمي فيما بعد إلى عالم الفن والأدب". ⁸

أما الخرافة فتعد " في معظم اللغات مرادفة للأكذوبة والأباطيل"⁹ ومعناها اللغوي" الكلام المستملح المكذوب. يقال: هذا حديث خرافة". ¹⁰

إذن الخرافة لا تتصل بالواقع بل "تعد قناعة مغلوطة لكنها راسخة". ¹¹

حكايات خرافية أم شعبية

من رسوخ الخرافة في كثير من المجتمعات، ظهرت الحكايات التي تستمد منها مادتها، وتميزت بخيالها المشوه للواقع فهي" تقوم في معظم أحداثها وشخصياتها على تصوير عالم الجن، وما يجري فيه، وعلى علاقة الإنسان بهذا العالم، وليس عالم الجن فيها منفصلاً عن عالم الإنس" ¹²

أما الحكاية الشعبية فقد " عرفها جبور عبدالنور بأنها، فن في غاية القدم مرتكز على السرد المباشر المؤدي إلى الإمتاع والتأثير في نفوس السامعين، يتخذ موضوعاً له الأشياء الخيالية والمغامرات الغريبة، وقد يعنى بالأمور الممكنة الوقوع أو الأحداث الحقيقية، التي يعدل فيها الراوي، ويقحم فيها أمالي خياله ومشاعره ومحصلات مواقفه من الحياة". ¹³

إذن يمكننا القول وفقاً لما سبق، إن مجموعة" وادي الضجوج" للكاتب اليمني وجدي الأهدل، هي من الحكايات الخرافية و الشعبية، وغلبت الأولى على الأخرى.

وأظن الكاتب حاول التأكيد على رسوخ الخرافة في المجتمع القديم الذي جاءت منه هذه الحكايات ، إذ تعد الخرافة بالنسبة له قناعة تؤثر في نفسية الإنسان، وقد تساعده على صعود الجبال كحال" غيثان"، وقد يسقط مثل " ذهابة".

----------------------------------------------

التذييل:

¹- عبده، علي محمد: حكايات وأساطير يمنية، دار الكلمة، صنعاء، ١٩٨٥، ط ٢

²- مرحبا، محمد عبدالرحمن: الفلسفة ما قبل عصر الفلسفة، مؤسسة عزالدين للطباعة والنشر، بيروت،١٩٩٤، ط ١، صـ ٩.

³- المصدر السابق، صـ ٩.

⁴- البردوني، عبدالله: أحمد بن علوان: بين التأريخ والحكايات، مجلة الإكليل، العدد الثاني، أكتوبر ١٩٨٠، صنعاء، صـ ٣٦

⁵- مرحبا، محمد عبدالرحمن: مصدر سابق، صـ ٤٨

⁶- أبو طالب، إبراهيم: الموروثات الشعبية القصصية في الرواية اليمنية، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، ٢٠٠٤،صـ ١٤٧

⁷- مرحبا، محمد عبدالرحمن: مصدر سابق، صـ ١٨

⁸- مرحبا، محمد عبدالرحمن: مصدر سابق، صـ ٢٠

(بتصرف)

⁹- أبو طالب، إبراهيم: مصدر سابق، صـ ١٤٧

¹⁰- معجم الوجيز: وزارة التربية والتعليم، مصر، 1999، صـ 192

 ¹¹-روبرت إيه سيجال: ترجمة محمد سعيد طنطاوي، الخرافة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ٢٠١٤، ط١، صـ ١٦

¹²- أبو طالب، إبراهيم: مصدر سابق، صـ ١٤٨

¹³- أبو طالب، إبراهيم: مصدر سابق، صـ ٥٣



نشرته مجلة " إل مقه" في العدد رقم ١٣، أغسطس ٢٠٢١، لتنزيله اضغط هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة