JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

صنعاء .. مدينةٌ تتألم

نشره أيضاً موقع منظمة صوت العقل


 هيثم ناجي الصنوي

القمر مكتمل الليلة ، سماء صنعاء صافية ، ترتسم فيها ذكرى لم يعد لنا  قدرةً على تذكر تفاصيلها الجميلة .
في الليل  يمتزج الصمت مع القصيدة ، ويتراقص  ضوء الشمعة مع صوت درويش : 
" بيروت قصتنا
 بيروت غَصتنا 
و بيروت اختبار الله
يا الله جربناك جربناك
من أعطاك هذا اللغز
من سماك
من أعلاك فوق جراحنا ليراك
فأظهر مثل عنقاء الرماد
من الدمار "*
القصة القديمة يرويها درويش عن بيروت ، كم أتمنى أن أصبح شاعراً ، ولكم تمنيت لو أني أنا من كتبت هذه القصيدة ، فصنعاء قصة وغَصة  ، ودمار ،  الله فيها أعلى من جراحنا ، لا نعلم من الذي يراه؟!   من يسمع صوته بين ضجيج الحرب التي يديرها ؟! 

صنعاء بداية الألم 

الحرب الأولى بعد 1990 مرت دون أن أعرف، لم أسمع طلقات الرصاص ،ولم أعد أتذكر صوت الصواريخ والطائرات ، أمي تتذكر ، هي التي تحكي لي  ما حدث  ، وتصف صنعاء  بالمظلومة من الحرب ، رغم أنها  ترفض  السلام !
لا تريد للطفل الصغير أن ينام ، تقول والدتي : لقد كنت متناقضاً  مع ذاتك حينها ، الموت يحيط بنا  وأنت تبتسم  ، أظن أن ابتسامتك  هي صراعُك مع الحرب ، دفاعك عن هذه المدينة ، التي نظلم مثلها تماماً .
صنعاء كانت وما زالت تعاني الأمرين الحرب والموت ، يمر في أزقتها دعاة الحرب وينام دعاة السلام على وقع موسيقى تعزفها الإذاعة الرسمية ، تجعله يمسي حالماً ويصبح يائساً ، يعتقد أن الشمس ستشرق ولكن هيهات أن تشرق وأنت تحلم ، الغروب هو الشيء الذي لا يحتاج منا أحياناً إلى ضحايا أو تفكير ، إنتاج الشر أسهل ، ولا يُختلف عليه  ، بينما نمتلك طرق مختلفة لإنتاج الخير  ، صنعاء وغروبها المستمر يقولون  هذا  ..

التسول ألم صنعاني 

في أحد شوارع صنعاء ، وبعد شروق الشمس بنصف ساعة تقريباً ،  تقف امرأة جميلة في ركن الشارع ، تنادي المارة طالبة منهم  مالاً تعود به إلى منزلها ، هي لا تكذب فقد جاءت من المنزل وتريد العودة إليه بقدر كبير من المال الذي تجنيه بطريقة تعتقد هي أنها أفضل طرق التسول ، ولكني أعتقد أنها طريقة غير أخلاقية ، قائمة على الكذب والتحايل على الناس ، وكونها طريقة أصبحت معروفة إلا أن المتسولات ما زلن يحصدن منها المبالغ الكثيرة .
كل شوارع المدينة ، لا تخلو من المتسولين ، كل له قصته وحاجته التي حولته إلى متسول  ، سألت ذات يوم أحدهم ، لماذا أنت متسول ؟ قال لي : انظر .. وأشار بيده نحو طفل صغير يبكي ويقول لوالدته : جائع ، أنا جائع ..
قلت له : الجوع فقط  .
قال : اسمع ، وسمعت والدة الطفل  ،  تقول  : يا كلب ، سأقتلك  إذا لم تسكت .
قررت أن أكره  صنعاء في ذلك اليوم , ولكني أعتقد أن  ما حدث  ليس  سبباً كافياً يجعلني أكرهها .
 فأزحت هذا التفكير من  عقلي ، وقررت أن أستمر في البحث عن آلامها .

صنعاء ومأساة التعليم 

عقيل وما أدراك ما عقيل ، إنه الحياة والبحث عن الذات ، تحت شجرة الأحلام في جامعة صنعاء ، عقيل شاب تعزي ، حلم بصنعاء وصارت هدفه بعد الثانوية ، لقد أدرك بعد ذلك  أن صنعاء صارت معاناته ، فهي  للإنسان الكادح عجزاً ، يجب عليه أن يقف أمامه بجلادة وقوة ، عقيل كان وما زال ، ذلك الشاب الصامد بقوة أمام هذا العجز ، يستيقظ في الصباح حاملا ً بندقيته ( قلمه ) ودبابته ( دفتره )  متجهاً نحو جامعة صنعاء ، ينهي اليوم الدراسي بدون وجبة إفطار ،  وأحياناً يعود لغرفته وينام بلا وجبة الغداء .
عقيل قصة عشق للحياة من طرف واحد ، الحياة تكرهه وهو يعشقها ، ويصبر على تعذيبها له ، ولكني أظن أن الحياة ستهيم به      ذات يوم وستعطيه ما يريد  ، وسيكون سبباً في إسعاد أناس بفضله ستحبهم الحياة ، لن يكونوا كما هو عليه عقيل الآن ..

صنعاء مدينة متناقضة

تعطينا الحب ولكنها أيضاً تمنحنا جرعةً  من الكراهية لها ، وتجعلنا نسقط  في هوة بلا نهاية  ، صنعاء مدينة متناقضة ، ولكنها في الألم متميزة عن غيرها ، لقد زرت مدناً يمنية عدة ، ولكني كلما وصلت لمدينةٍ أشتاق  لصنعاء وعذابها ، جعلتني ماز وخياً  ، أتلذذ بتناقضاتها ، بظلمها الذي لا نقيض له ، لا  دواء سوى إعلان الحرب على التناقضات  السلبية والعمل على إيجاد الحلول ، ونشر الوعي بين أوساط المجتمع ، وأن يقوم الإعلام بدوره الحقيقي ، والعمل على الحد من الفساد بأشكاله وأنواعه ، المجتمع اليمني يحلم بدولة تضمن له العدالة والحرية والأمن ، والكرامة ، و يطمح لبناء وطن ، ولكنه لم يجد حتى الآن اليد التي تسانده ..



* من قصيدة " مديح الظل العالي " للشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش .

الاسمبريد إلكترونيرسالة