هيثم ناجي
قال أرسطو : (( الشرقيون يولدون عبيداً ))، وقلت، وأنا في ذروة التعصب الثوري عام 2011 : (( يبدو أن أرسطو كان مخطئاً )) ، ولكني أظن أن المخطئ هو أنا، وأرسطو كان محقاً ، فالشرقيون وبالتحديد العرب يولدون، ليصبحوا عبيداً !!
يولدون ويحملون على كاهل أدمغتهم ما أستطاع الآباء أن يحملوه عن أبائهم ، ويتناقلوهُ بدون تجديد.. بل وبتقديس ، فكانت عقولهم عدواً لهم ، وأفكارهم سيدة عليهم ، ففرضت عليهم الظروف الزمانية، أن يبحثوا عن عدوٍ مختلف عنهم في التفكير والسلوك ، فكان الغرب وغيرهم، ممن يختلفون معهم على أساسٍ عقائدي ، العدو الذي لامحالة سيكون سبباً في القضاء على الفضيلة التي هي بالأصح استعباد الذات عند الفرد التي تتحول إلى عبودية مجتمعية تفرض على من يخالف الترهات التي يسمّونها أفكاراً ، فيصبح إمّا منبوذاً أو مجنوناً أو ميتاً ، والأخيرة هي الأقرب إلى التحقق مع الكثير .يصر بعض المفكّرين والباحثين على أن ما يحدث بين العرب والغرب، إنما هو صراع حضارات قائم على أساس نظرية » صدام الحضارات » لصموئيل هنتغتون التي تقول بأن العالم ينقسم إلى حضارات متصارعة ومتناحرة، وفق المعيار الديني ، بينما يصرُ المفكّرون الخلدونيين على تسمية ما يحدث »بالصراع بين البداوة والحضارة »، ولعلّي أميل إلى الأخيرة ، مضيفاً على ذلك : إن هذا الصراع لن ينتهي ، مادام التخلف والإصرار عليه هو من يحكم عقول العرب .
التعصب مولود قديم
الإنسان مولودٌ على الفطرة الإنسانية ، وكل ما يكتسبه من سلوك، يعبّر عن مدى قدرة البيئة التي تحتضنه على التفكير ، فمحدوديّ العقول، ترعاهم بيئة شبيهة بهم ، وأنا أؤمن وليس دائماً ، بأن الإنسان أبنُ بيئته وليس أبن النصوص التي تنظّم الحياة الاجتماعية والفردية لأي بيئة ، إنها سبب نسبي لإماطة العقل عن التفكير ، فالأديان لا تحث على التعصب والجهل ،وهذه حقيقة يؤمن بها الجميع ، ولكن ما هو سبب وجود التعصب بكل أنواعه في أوساط المجتمع العربي ؟ بل أنه يعد سمة يتسم بها ، يظن البعض أن السبب هو عدم تطبيق نصوص الأديان التي يعتنقونها ، وهذا قولٌ راديكالي ، لا يمت للعقل بصلة ، لأن الأديان وإن لم تحث على التعصب، إلا أن رجالها وشيوخها أكثر من يحثون عليه، وتحديداً التعصب الديني يليه المذهبي ، والمجتمع يتعامل مع النصوص بواسطة رجال الدين وشيوخه .إذاً أول الأسباب،التفسيرات الدينية لرجال وشيوخ الأديان ، ثانياً، إن التعصب هو نتيجة التخلف الثقافي الذي هو نتيجة لتراكمات سابقة ، طرأت على الأرض العربية منذ القرن التاسع عشر، ومناطق عربية أخرى منذ القرون الوسطى ، وأهمها الاحتلال والاستعمار الذي نهب الأرض وسلب العقل ، ومن ثم الأنظمة الملكية وشبه الملكية العسكرية القمعية التي سيطرت على الحكم بعد الاستقلال .
ماذا بعد التعصب ؟
ذكرتُ سابقاً أن الجمود الناتج عن تقديس العقلية القديمة ، يجعل التفكير مصبوباً في البحث عن العدو الذي سيكون سبباً في القضاء على الأفكار التي هي سبب الحفاظ على الفضيلة، كما يعتقدون ، وإذا ثُبت للناس عدم صحة فكرة ما من أفكارهم، المستمدة من الأديان والعادات والتقاليد العتيقة ، يقومون بتوجيه السلاح في وجه كل من يحمل معتقداً غير معتقدهم ، وكما ذكرت أيضاً، إن واحداً من أهم أسباب التعصب في الوطن العربي، هم رجال وشيوخ الأديان ، وهذا يعطينا فكرة مفادها أن التعصب هو بداية فتيل طويل يسمى التطرف، انفجر بإرهابٍ شغل العالم، وأوقف عجلة التقدم العالمي، وغيّر كثيراً من المفاهيم .
من أجل مجتمعٍ حضاري
التعصب سلوك مشين ، ينافي العقل، ويلغي التعددية، ومحاولات تطبيقها على أرض الواقع ،ويغيّر من ثقافة الحوار، ويعزز ثقافة الكراهية ، أي أن الهمجية هي التي تسود في المجتمع المتعصب ، ويثبت هذا صحة ما يقوله المفكّرون الخلدونيين، بأن الصراع لا يكون إلّا بين البداوة والحضارة ، والبداوة هي الهمجية.. كون الأخيرة نقيض الحضارة أيضاً ، ويعرّفها الفرنسي تزيفتان تودوروف بـ « رفض الآخر» .إن القبول بالآخر هو الخطوة الأولى التي يمكن أن تبني مجتمعاً حراً وديمقراطياً وحضارياً ، ولنخطو أول خطوة، فلا بد أن نقوم بثورة »تحرير العقل» من أي تفكير عتيق يعيق المجتمع من تقدمه نحو الحضارة ، وهذا يتطلب أيضاً تحسين العملية التعليمية ، وتغييراً في الخطاب الإعلامي ، ووضع ضوابطاً وقيود، تعيق التطرف والتعصب من أجل وضع الأساس لمجتمع حضاري، ينافس ولا يصارع.
لقراءة المقال في صحيفة العراق اليوم اضعط هنا .
قال أرسطو : (( الشرقيون يولدون عبيداً ))، وقلت، وأنا في ذروة التعصب الثوري عام 2011 : (( يبدو أن أرسطو كان مخطئاً )) ، ولكني أظن أن المخطئ هو أنا، وأرسطو كان محقاً ، فالشرقيون وبالتحديد العرب يولدون، ليصبحوا عبيداً !!
يولدون ويحملون على كاهل أدمغتهم ما أستطاع الآباء أن يحملوه عن أبائهم ، ويتناقلوهُ بدون تجديد.. بل وبتقديس ، فكانت عقولهم عدواً لهم ، وأفكارهم سيدة عليهم ، ففرضت عليهم الظروف الزمانية، أن يبحثوا عن عدوٍ مختلف عنهم في التفكير والسلوك ، فكان الغرب وغيرهم، ممن يختلفون معهم على أساسٍ عقائدي ، العدو الذي لامحالة سيكون سبباً في القضاء على الفضيلة التي هي بالأصح استعباد الذات عند الفرد التي تتحول إلى عبودية مجتمعية تفرض على من يخالف الترهات التي يسمّونها أفكاراً ، فيصبح إمّا منبوذاً أو مجنوناً أو ميتاً ، والأخيرة هي الأقرب إلى التحقق مع الكثير .يصر بعض المفكّرين والباحثين على أن ما يحدث بين العرب والغرب، إنما هو صراع حضارات قائم على أساس نظرية » صدام الحضارات » لصموئيل هنتغتون التي تقول بأن العالم ينقسم إلى حضارات متصارعة ومتناحرة، وفق المعيار الديني ، بينما يصرُ المفكّرون الخلدونيين على تسمية ما يحدث »بالصراع بين البداوة والحضارة »، ولعلّي أميل إلى الأخيرة ، مضيفاً على ذلك : إن هذا الصراع لن ينتهي ، مادام التخلف والإصرار عليه هو من يحكم عقول العرب .
التعصب مولود قديم
الإنسان مولودٌ على الفطرة الإنسانية ، وكل ما يكتسبه من سلوك، يعبّر عن مدى قدرة البيئة التي تحتضنه على التفكير ، فمحدوديّ العقول، ترعاهم بيئة شبيهة بهم ، وأنا أؤمن وليس دائماً ، بأن الإنسان أبنُ بيئته وليس أبن النصوص التي تنظّم الحياة الاجتماعية والفردية لأي بيئة ، إنها سبب نسبي لإماطة العقل عن التفكير ، فالأديان لا تحث على التعصب والجهل ،وهذه حقيقة يؤمن بها الجميع ، ولكن ما هو سبب وجود التعصب بكل أنواعه في أوساط المجتمع العربي ؟ بل أنه يعد سمة يتسم بها ، يظن البعض أن السبب هو عدم تطبيق نصوص الأديان التي يعتنقونها ، وهذا قولٌ راديكالي ، لا يمت للعقل بصلة ، لأن الأديان وإن لم تحث على التعصب، إلا أن رجالها وشيوخها أكثر من يحثون عليه، وتحديداً التعصب الديني يليه المذهبي ، والمجتمع يتعامل مع النصوص بواسطة رجال الدين وشيوخه .إذاً أول الأسباب،التفسيرات الدينية لرجال وشيوخ الأديان ، ثانياً، إن التعصب هو نتيجة التخلف الثقافي الذي هو نتيجة لتراكمات سابقة ، طرأت على الأرض العربية منذ القرن التاسع عشر، ومناطق عربية أخرى منذ القرون الوسطى ، وأهمها الاحتلال والاستعمار الذي نهب الأرض وسلب العقل ، ومن ثم الأنظمة الملكية وشبه الملكية العسكرية القمعية التي سيطرت على الحكم بعد الاستقلال .
ماذا بعد التعصب ؟
ذكرتُ سابقاً أن الجمود الناتج عن تقديس العقلية القديمة ، يجعل التفكير مصبوباً في البحث عن العدو الذي سيكون سبباً في القضاء على الأفكار التي هي سبب الحفاظ على الفضيلة، كما يعتقدون ، وإذا ثُبت للناس عدم صحة فكرة ما من أفكارهم، المستمدة من الأديان والعادات والتقاليد العتيقة ، يقومون بتوجيه السلاح في وجه كل من يحمل معتقداً غير معتقدهم ، وكما ذكرت أيضاً، إن واحداً من أهم أسباب التعصب في الوطن العربي، هم رجال وشيوخ الأديان ، وهذا يعطينا فكرة مفادها أن التعصب هو بداية فتيل طويل يسمى التطرف، انفجر بإرهابٍ شغل العالم، وأوقف عجلة التقدم العالمي، وغيّر كثيراً من المفاهيم .
من أجل مجتمعٍ حضاري
التعصب سلوك مشين ، ينافي العقل، ويلغي التعددية، ومحاولات تطبيقها على أرض الواقع ،ويغيّر من ثقافة الحوار، ويعزز ثقافة الكراهية ، أي أن الهمجية هي التي تسود في المجتمع المتعصب ، ويثبت هذا صحة ما يقوله المفكّرون الخلدونيين، بأن الصراع لا يكون إلّا بين البداوة والحضارة ، والبداوة هي الهمجية.. كون الأخيرة نقيض الحضارة أيضاً ، ويعرّفها الفرنسي تزيفتان تودوروف بـ « رفض الآخر» .إن القبول بالآخر هو الخطوة الأولى التي يمكن أن تبني مجتمعاً حراً وديمقراطياً وحضارياً ، ولنخطو أول خطوة، فلا بد أن نقوم بثورة »تحرير العقل» من أي تفكير عتيق يعيق المجتمع من تقدمه نحو الحضارة ، وهذا يتطلب أيضاً تحسين العملية التعليمية ، وتغييراً في الخطاب الإعلامي ، ووضع ضوابطاً وقيود، تعيق التطرف والتعصب من أجل وضع الأساس لمجتمع حضاري، ينافس ولا يصارع.
لقراءة المقال في صحيفة العراق اليوم اضعط هنا .