JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الحربُ على الجراد " قصة قصيرة"


هيثم ناجي


ملاحظة: القصة نُشرت في صحيفة كواليس الجزائرية في عددها الصادر بتاريخ ٣١ يوليو ٢٠١٩.

يصرخ العجوز : ها هو قد استيقظ !
لا شيء أعرفه هنا، صراخ العجوز أخافني، المكان الذي استيقظت فيه، يجلب الظن، كنت أحسب نفسي سمكة صغيرة أو صيداً ثميناً لكل هذه الوجوه الغريبة التي تنظر إلي بأعينها التي تشبه أعين القرش.
يرفعني أحدهم عن الأرض، ويقول :
   أهلاً بك بيننا يا محترم ..
- من أنتم ؟
ضحكوا جميعاُ ، شعرت بالخجل ، أجابني عجوز آخر :
  يا محترم أنت بين أصدقائك.
-أصدقائي!
يبدو أنك قد فقدت ذاكرتك، هذه هي نتيجة انضمامك للحزب الإسلامي .
 ( قالها العجوز وكأنه يبصق في وجهي )
قلت متفاجئا:
 أي حزب إسلامي يا عم !
خشيت أن يصر على اعتقاده هذا.
_ قهقه ونظر إلي:
هل تعرف أين نحن الآن ؟
-لا
- أنت في قيادة مخابرات الدولة .
صدمت! تذكرت كتبا قرأتها عن وسائل وطرق التعذيب التي تستخدمها أجهزة المخابرات. سألت:
 لماذا ؟ وكررتها بخوف شديد أكثر من مرة ..
-لأننا نحترمكم ، نخدمكم ، نسهر طوال الليل من أجلكم ، وأنتم تريدون اسقاطنا بكل بساطة .. يا لكم من حمقى ، يا لتفاهتكم .
-من تقصد يا فندم ؟، أنا لست عضوا في الحزب الإسلامي كما تظن
-وكأني أحدث نفسي ( قالها وهو يصرخ في وجهي )، لن تنكر أنك عضو نشط في الحزب الإسلامي، قيادتك لمسيرات غير مرخصة، محاولة حشد المواطنين لخدمة أهداف حزبك ( لعنه أكثر من مرة)، نحن نعرف كل شيء يا محترم ، انكارك لن يجدي..
-أقسم لك بأن لا صلة تربطني بالحزب الإسلامي أو بأحد الأحزاب المتحالفة معه .. أنا مستقل ، صحيح أني أشارك في التظاهرات ولكني لا أنتمي لأي حزب ..
صفعني بيده الغليظة ... شعرت بالإهانة ، ركلني حاولت أن أبتعد عنه كنت أصرخ : لا لا لا ..
 لقد كانت كرامتي تغتصب ، لقد ولدت قبل أيام والآن تفض بكارتها. أيقظتنا الجراد من سبات عميق ، جاءت لتخصينا فأنجبنا الكرامة ، ولكن بكارتها تفض، يا إلهي لا لا لا لا كنت أصرخ ، كان العجوز يعتقد أنه بفعل الألم الذي يسببه الضرب ، كم هو أحمق لم يدرك بأن أجسادنا لم تعد تستجيب للألم الخارجي ...
عذبني بقسوة ، كان ينتقم من الحزب الإسلامي ، كراهيته كرائحة فمه نتنة ، لقًد كان قاسياً كالجراد تماماً ، ولكنها لم تكن تكرهنا، كانت تريد أن تعبر بسلام، ولكنها كانت تخصي كل من تجده أمامها، فمنذ أن ظهرت هذه الجراد في شرق البلاد وعرفنا خطورتها والعدد الكبير من الرجال الذين أخصوا ، انتابنا الخوف أنا وكل أهل القرية وخصوصاً بعد أن سمعنا صراخ والدة محمود الذي ذهب إلى الشرق ليعمل ويعود ويتزوج سلمى ، لقد أخصي محمود .
تحدثت إلى شيخ القرية بعد صلاة الفجر، كنت حينها متشبعا من قراءة كتب عن التعايش والاختلاف .
قلت له :
   يا شيخ بالله عليك ماذا يحدث؟
أجابني وأصابعه لا تكف عن تحريك حبات المسبحة :
إنه العقاب يا يحيى، نحن نعصيه وهو يغفر ومن ثم نعصيه فيغفر ، لقد زادت ذنوبنا عن الحد المطلوب ليغفر لنا. إن هذه الجراد جند من جنود الله ، إنها تخصي الرجال .
متعجبا:
يا شيخ، ولكن محمود كان شاباً صالحاً وكل أهل القرية يشهدون له.
غرقت عيناه في وجهه :
 يا يحيى هل كنت تعرف قبل هذه اللحظة أن محمود كان يقرأ كتباً عن الكفر والإلحاد؟ هذا عقاب من الله.
كان حديثه هذا مفاجأة لي ولعله كان سبباً بصراع الأفكار الذي شغل عقلي طويلا.
خرجت من المسجد، بعد أن قلت له:
 يا شيخ، يجب أن نذكر محاسن محمود إنه منا...
كنت أريد أن أدافع عن تشويه صورة محمود بطريقة ترضي الشيخ مراد الذي كان صديقاً حميماً لمحمود ، قبل أن يعود من الشمال حاملاً في جعبته 10 كتب أصدرها الحزب الإسلامي، واستقطب في عام ثلاث عشر شخصاً من القرية وصاروا أعضاءً للحزب ..
رفض عاصم الموظف الوحيد في قريتنا أن ينظم ، ومزق استمارة الانتساب، ورفع فوق سطح منزله علم الحزب الحاكم، لقد أخفى عنا اتجاهه، لم نعرف قط أن عاصم كان يحضر اجتماعات مقر الحزب الحاكم في مركز مديريتنا.
 وفي صلاة الجمعة لم يحضر وتحدث الشيخ مراد عنه بطريقة غير مباشرة ، بعد الصلاة أتفق بعض شباب الحزب الإسلامي أن يذهبوا إلى عاصم ليقدموا له النصيحة، فموالاة حاكم ظالم هو كفر كما قالوا.
 عاصم أجابهم من نافذة في الطابق الثاني لمنزله بحديثٍ قاله الرسول(ص) يحث على طاعة ولي الأمر.
اشتهر هذا الحديث بين بعض العامة في القرية فقرروا الانضمام للحزب الحاكم ، كانوا خمسة فقط ، واحد منهم كان يسكن بجوار منزل الشيخ مراد في وسط القرية بجانب المسجد تماماً.
كان القرية قد انقسمت، وصارت حديثاً على ألسن كل القرى المجاورة، قالت جدتي :
 لقد سكنت قريتنا الشياطين...
***
كنت أفكر لو أن هذه الجراد تعيد للقرية شملها من جديد ، فلم يكن تفكيري صائباً؛ لقد انقسموا حتى في حلٍ ينجيناـ
 النظام أعلن عن تشكيل لجنة من وزارة الزراعة لدراسة الوضع وحل الأزمة الحالية ، أما الحزب الإسلامي أعلن أنه سيشكل لجانا شعبية من المتطوعين ، يقومون بإحراق الزرع بطريقة تضمن عدم انتشار النار إلى المنازل، وعدم وصول الجراد إلى الرجال في القرى.
 نجحت هذه الطريقة ولكن الجراد أخصت الألاف من سكان المدن، فاكتظت القرى بالعائدين من مدن الشرق كان معهم محمود , عاد محمولاً على النعش ، لقد أحرق نفسه ومات ، لم يستطع العودة وهو مخصي فقرر العودة على أكتاف الرجال العائدين ، كنت حزيناً على والدته التي كانت تصرخ وتبكي بهستيرية ، لن أنسى هذا اليوم أبداً ، إنه مأساوي ..
زرت مع والدتي أم محمود ثم زرنا قبر والدي ، وعدنا إلى المنزل , قرأت قصيدة (( وعاد في كفن )) لمحمود درويش. وقررت أن أعارض نظام الحكم، لقد خر عاجزا أمام الجراد وتركنا لأقدارنا..
وصلت الجراد في منتصف شهر يوليو إلى مديريتنا، أحرقنا الزرع في وادي البساط لنمنعها من الوصول إلينا، كنت متطوعاً مع الحزب الإسلامي، وهذا ما جعل بعضهم يظنون أني عضو فيه.
كانت الخسائر كثيرة لقد أخصي ابن أخ الشيخ مراد وأحرق الزرع كله كان لابد من التضحية فالجراد عدو لا يستهان به ، كانت النار فقط تصدها عنا، كنت سعيداً وأنا أشاهد الجراد تحترق، كانت النار تنتقم لمحمود.
 استمرت الحرب 3 أيام ضاع كل شيء، أزلنا سقف المسجد والحمامات لنحرقها ، وقطعنا كثيرا من الأشجار الميتة، كانت حربا من أجل الوجود، ولكننا انتصرنا..
النظام ظل مكتوف الأيدي خلال هذه الحرب، قال الشيخ مراد، إنه نظام عاجز ، ولن يصمد أمام التظاهرات التي خرجت في شرق البلاد تطالب بإسقاطه، وفي الغرب خرجت مظاهرات حاشدة، أعلن الحزب الإسلامي تأييده لها، ودعا أنصاره للخروج من أجل إسقاط النظام الذي خر راكعاً أمام الجراد.
قررت أن أشارك، فسافرت إلى المدينة حاملاً شعلة ثورة في صدري، لم يكن الهدف فقط الانتقام من النظام الذي مات محمود بسببه، كنت أحلم بالحرية التي تسكن بين سطور الكتب.
 ألقى الرئيس كلمته ، وقال في خاتمتها :
   أيها الشعب العظيم أمهلوني حتى موسم الجراد القادم .
بعد الخطاب قتل عاصم في القرية ، واعتقل الأمن متظاهرون كثر.. حاولت والدتي الاتصال بي، ولكن هاتفي كان مغلقاً.
صنعاء
أكتوبر 2014
طباعة🖨️
الاسمبريد إلكترونيرسالة